فصل: فصل في ذات الرئة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القانون (نسخة منقحة)



.فصل في كلام جامع في النفث:

يبدأ في الثاني والثالث: أفضل النفث وأسرعه وأسهله وأكثره وأنضجه الذي هو الأبيض الأملس المستوي الذي لا لزوجة فيه بل هو معتدل القوام.
وما كان قريباً من هذا النضج يسكن أخلاطاً إن كانت قبله أو سهراً أو عرضاً آخر رديئاً ويليه المائل إلى الحمرة في أول الأيام والمائل إلى الصفرة وبعد ذلك الزبدي.
وسبب الزبدية هو أن يكون في الخلط شيء رقيق قليل يخالطه هواء كثير وتكون المخالطة شديدة جداً.
على أن الزبدي ليس بذلك الجيد بل هو أميل إلى الرداءة.
وأردؤه في الأول الأحمر الصرف أو الأصفر الصرف الناري.
ومن الرديء جداً الأبيض اللزج المستدير.
وأردأ الجميع الأسود وخصوصاً المنتن منه.
والأصفر خير من الأسود.
ومن الغليظ المدحرج المستدير وهذا المستدير خير من الأحمر وإن كان رديئاً ودليلاً على غلظ المادة واستيلاء الحرارة وينفر بطول من المرض يؤول إلى سلّ وذبول.
والأحمر خير من الأصفر لأن الدم الطبيعي- وهو الأحمر- والبلغم المعتدل ألين جانباً من الأصفر الأكال المحرق والأخضر يدل على جمود أو على احتراق شديد ولا يزيل حكم رداءة النفث في جوهره سهولة خروجه والمنتن رديء وانتفاث أمثال هذه الرديئة يكون للكثرة لا للنضج وكل نفث لا يسكن معه الأذى فليس بجيد.
ومن عادتهم أنهم يسمون الساذج الذي لا يخالطه شيء غريب نضيج أو شيء من الدم أو شيء من الصفراء أو السوداء بزاقاً ولا يسمونه نفثاً ومثل هذا إذا دام ولم يختلط به شيء ولم يعرض له حال يدل على أن الأخلاط هو داء ينضج فإنه يدلّ على طول العلة وإذا كان مع عدم النضج رديئاً دلّ على الهلاك.
وبالجملة فإن النفث يدل بلونه ويدل بقوامه من غلظه ورقته ويدل بشكله من استدارته وغير استدارته ويدلّ بمقداره في كثرته وقلّته والنفث المالح يدلّ على نزلة أكّالة ونفث الخلط الغليظ بل القيح قد لا يكون بسبب قروح الرئة بل بسبب رطوبة صديديّة تتحلّب من أبدان من جاوز الثلاثين إلى الخمسين وترك الرياضة فيجتمع في فضاء الصدر وينتفث ويقع به الاستسقاء في مدة أربعين يوماً إلى ستين ولا يكون به كبير بأس.
وإذ أنفث في اليوم الأول شيئاً رقيقاً غير نضيج فيتوقع أن ينضج في الرابع ويتحرّز في السابع.
فإن لم ينضج في الرابع أو كان ابتداء النفث ليس من اليوم الأول فبحرانه في الحادي عشر أو الرابع عشر.
فإن لم ينفث إلى ما بعد الرابع ثم نفث وفيه نضج ماء فالأمر متوسط.
وإن لم يكن فيه نضج فالعلة تطول مع رجاء وخصوصاً إذا كانت هناك علامات جيدة من القوة والشهوة والنبض.
وأما إذا لم ينفث إلى السابع أو نفث بلا نضج البتة بل إنما هو خلط ساذج فإن وجدت القوة ضعيفة علمت أنها لا تنضج إلا بعد زمان فإنها تخور قبل ذلك ولا تجاوز الرابع عشر.
وربما هلك قبله لأن بحران مثل هذا إلى أربعين وستين.
والطبيعة الضعيفة لا تمتد سالمة إلى ذلك الوقت وإن وجدت القوة قويّة ورأيت الشهوتين معتدلتين محمودتين ورأيت النوم والنفس على ما ينبغي ورأيت البول نضيجاً جيداً رجوت أن يجاوز الرابع عشر ثم يموت في الأكثر بعدها.
وكلّ هذا إذا كانت المادة التي توجب العلة حادة.
وبالجملة فإن أطول بحران الخفيف منه أربعة عشر يوماً وربما امتد إلى عشرين يوماً وربما امتد إلى عشرين.
وقد زعم جالينوس أنه ربما استسقى بالنفث إلى ثلاثين يوماً وصادف به بحران بحراناً تاماً وقد قلنا أن النفث الساذج البزاقي يدل على طول العلة وقد يتفق أن يكون توقع البحران لوقت بعرض دليل يجعله أقرب أو دليل فيجعله أبعد مثلاً إذا كان النفث والأحوال تدل على أن البحران يكون في الرابع عشر فيظهر بعد السابع نفث أسود وخصوصاً في يوم رديء كالثامن فإنه يدلّ على أن البحران الرديء يتقدم وإن ظهر يدلّ ذلك دليل جيد على نضج محمود دل على أن البحران الرديء يتأخر والجيد يتقدم.

.فصل في ذات الرئة:

ذات الرئة ورم حار في الرئة وقد يقع ابتداء وقد يتبع حدوث نوازل نزلت إلى الرئة أو خوانيق انحلت إلى الرئة أو ذات جنب استحال ذات الرئة.
وأمثال هذه يقتل إلى السابع وإن قويت الطبيعة على نفث المادة فإنها في الأكثر توقع في السل.
وذات الرئة تكون عن خلط ولكن أكثر ما تكون تكون عن البلغم لأن العضو سخيف قلما يحتبس فيه الخلط الرقيق كما أن أكثر ذات الجنب مراري بعكس هذا المعنى لأن العضو غشائي كثيف مستحصف فلا ينفذ فيه إلا اللطيف الحاد.
على أنه قد يكون من الدم وقد يكون من جنس الحمرة وهو قتال في الأكثر بحدّته ومجاورته للقلب وقلة انتفاعه بالمشروب والمضمود فإن المشروب لا يصل إليه وهو يحفظ من قوة تبريده ما يقابله والمضمود لا يؤدي إليه تبريداً يوازيه.
وذات الرئة قد تزول بالتحلل وقد تؤول إلى التقيّج وقد تصلب وكثيراً ما تنتقل إلى خراجات وقد تنتقل إلى قرانيطس وهو رديء.
وربما انتقل إلى ذات الجنب وهو في القليل النادر وقد يعقب خدراً مثل المذكور في ذات الجنب وهو أكثر عقاباً له وليس نفع الرعاف في ذات الرئة كنفعه في ذات الجنب لاختلاف المادتين ولأنّ الجذب من الرئة أبعد منه في الحجاب وأغشية الصدر وعضلاته.
العلامات: علامات ذات الرئة حمّى حادة لأنه ورم حار في الأحشاء وضيق نفس شديد كالخانق ينصب المتنفس لأجل الورم ويُضيّق المسالك وحرارة نفس شديد وثقل لكثرة مادة في عضو غير حساس الجوهر حساس الغشاء الذي لُف فيه وتمدد في الصدر كله بسبب ذلك ووجع يمتد من الصدر ومن العمق إلى ناحية القصر والصلب.
وقد يحس به بين الكتفين وقد يحس بضربان تحت الكتف والترقوة والثدي إما متصلاً وإما عندما يسعل ولا تحتمل أن يضطجع إلا على القفا وأما على الجنب فيختنق.
وصاحب ذات الرئة يحمرّ لسانه أولاً ثم يسودّ ويكون لسانه بحيث تلصق به اليد إذا لمسته بها مع غلظ وربما شاركه في التمدد وامتلاء الوجه كله ويظهر في الوجنتين حمرة وانتفاخ لما يتصعد إليهما من البخار مع لحميتهما وتخلخلهما ليسا كالجبهة في جلديتها.
وربما اشتدت الحمرة حتى المصبوغ وربما أحس بصعود البخار كأنه نار تعلوه وتظهر نفخة شديدة ونفس عالٍ سريع لعظم الحمى وآفتها.
وتهيج العينان وتثقل حركتهما وتمتلئ عروقهما وتثقل الأجفان والسبب فيه أيضاً البخار ويظهر في القرنية شبه تورّم وفي الحدقة شبه جحوظ مع دسومة وسمن وتغلظ الرقبة.
وربما حدث سبات لكثرة البخار الرطب وربما كان معه برد أطراف.
وأما النبض فيكون موجيّاً ليناً لأنّ الورم في عضو لين والمادة رطبة والموج مختلف لا محالة في انبساط واحد.
وربما انقطع وربما صار ذا فرعتين وذلك في انبساط واحد.
وربما كان ذلك بحسب انبساطات كثيرة وقد يقع في الانبساطات الكثيرة وقد يقع فيه الواقع في الوسط.
ونبضه في الأكثر عظيم لشدة الحاجة ولين الآلة إلا أن تضعف القوة جداً.
وأما التواتر فيشتد ويقل بحسب الحمى والحاجة وبحسب كفاية القوة وذلك بالعظم أو عجزها هنه.
وقد ذكر أبقراط أنه إذا حدث بهم خراجات عند الثديين وما يليهما وانفتحت نواصير تخلصوا.
وذلك معلوم السبب وكذلك إذا حدثت خراجات في الساق كانت علامة محمودة.
وإذا انتقل في النادر إلى ذات الجنب خف ضيق النفس وحدث وخز.
ونفثهم قد يكون أيضاً على ألوان مثل نفث ذات الجنب وأكثره بلغمي.
وأما ذات الرئة الذي يكون من جنس الحمرة فيكون فيه ضيق النفس.
والثقل المحسوس في الصدر أقل لكن الاتهاب يكون في غاية الشدة.
وعلامات انتقاله إلى التقيّح قريبة من علامات ذات الجنب في مثله وهو أن تكون الحمى لا تنقص ولا الوجع ولا يرى نقص يعتدّ به بنفث أو بول غليظ في رسوب أو براز فإنه إن رأيت المريض مع هذه العلامات سالماً قوياً فهو يؤول إلى التقيح أو إلى الخراج إما إلى فوق وإما إلى أسفل بحسب العلامات المذكورة في ذات الجنب.
وإن لم يكن هناك قوة سلامة فتوقع الهلاك.
وإذا صار بصاقه حلواً فقد تقيح فإن تنقى في أربعين يوماً وإلا طال وإذا طال الزمان بذات الرئة أورث تهيج الرجلين لضعف الغاذية وخصوصاً في الأطرف وإذا مالت المادة إلى المثانة رجيت السلامة.

.فصل في الورم الصلب في الرئة:

قد يعرض في الرئة ورم صلب ويدلّ عليه ضيق النفس مع أنه يزداد على الأيام ويكون مع ثقل وقلة نفث وشدة يبوسة من السعال وتواتره وربما خص في الأحيان مع قلة الحرارة في الصدر.

.فصل في الورم الرخو في الرئة:

قد يعرض في الرئة الورم الرخو ويدل عليه ضيق نفس مع بصاق كثير ورطوبة في الصدر من غير حرارة كثيرة ولا حمرة في الوجه بل رصاصية.

.فصل في البثور في الرئة:

وقد يعرض في الرئة بثور وعلامته أن يحسّ ثقل وضيق نفس مع سرعة وتواتر في الصدر والتهاب من غير حمى عامة.

.فصل في اجتماع الماء في الرئة:

قد تجتمع في الرئة مائية ويدل على ذلك مليلة وحمى لينة وورم في الأطراف وسوء التنفس ونفث رقيق مائي وحال كحال المستسقي.

.فصل في الورم أو الجراحة العارضة لقصبة الرئة:

علامات ذلك حمى ضعيفة وضربان في وسط الظهر فإن القصبة ليست كالرئة في أن لا تحسّ ولكنه وجع خفيف ويعرض مع ذلك حكة الجسد وبحّة الصوت فإن تقرحت كانت نكهة سمكية ونفث نزر.

.فصل في القيح وجمع المدة:

القيح في كلام الأطباء يأتي على معنيين: أحدهما: ماء يستعمل في كل موضع وهو جمع الورم للمدة.
والثاني: ما يستعمل خاصةً في أمراض الصدر ويراد به امتلاء الفضاء الذي بين الصدر والرئة من قيح انفجر إليه إما في الجانبين معاً وإما في جانب واحد.
وأسباب هذا الامتلاء: إما نزلة تصبّ المادة دفعة أو قروح في الرئة تسيل منها مدة صديدية فينتفح بعد عشرين يوماً في الأكثر ثم ينفث وإما انفجار ورم في نواحي الصدر وهو الأكثر ويكون ذلك إما مدة نضيجة وإما شيئاً كالدردي.
وأحوال ذلك أربعة فإنه: إما يحيق بالكثرة ليقتل ويظهر ذلك بأن يأخذ نفسه يضيق ولا ينفث وإما أن تعفن الرئة فيوقع في السل وإما أن يستنقي بالنفث المتدارك السهل وإما أن يستنقي باندفاع من طريق العرق العظيم والشريان العظيم إلى المثانة بولاً غليظاً ويكون سلوكه أولاً من الوريد إلى الكبد ثم إلى الكلية وقد يرد إلى الأمعاء برازاً وهما محمودان وقد سلف منا كلام في ذكر مدة الانفجار.
ويعرف ذلك بحسب قوّة العلامات وبحسب السن والفصل والمزاج.
والمشايخ يهلكون في التقيح أكثر من الشباب لضعف ناحية قلوبهم والشباب يهلكون في الأوجاع أكثر من المشايخ لشدة حسهم.
وقد ذكرنا علامات التقيّح في باب علامات انفعالات ذات الجنب وكذلك علامات الانفجار.
وأما علامات امتلاء فضاء الصدر من القيح فثقل وسعال يابس مع بهر ووجع. وربما كان في كثير منهم سعال رطب يحيل حفة من النفث ويكون نفسهم متتابعاً ولذلك يكون كلامهم سريعاً وتتحرك وترات أنوفهم إلى الانضمام عند التنفس وتلزمهم حمّى دقية إلى الاستسقاء.
وأما علامة الجهة التي فيها المدة فتعرف بأن يضطجع العليل مرّة على جنب ومرة على آخر والجانب الذي يتعلق عليه ثقل ضاغط هو الجانب المقابل لموضع المدة ويعرف من صوت المدة ورجرجتها وخضِخضتها.
ومن الناس من يضع على الصدر وجوانبه خرقة كتان مغموسة في طير أحمر مداف في الماء ويتفقد الموضع الذي يجفّ أولاً فهو موضع القيح.
وأما علامات الانفجار السليم فأن يكون الانفجار يعقبه سكون الحمى ونهوض الشهوة وسهولة النفث والتنفس أو تحدث معه خراجات في الجنب أو نواحيها تصير نواصير وكذلك الذي يكون منهم أو يبط فتخرج منه مدة نقية بيضاء.
وأما علامات الرديء فأن تظهر علامات الاختناق والغشي أو النفث الرديء أو السل.
وإذا كوي أو بط خرجت منه مدة حميّة منتنة.
وأما العلامات المفرّقة بين المدة وبين البلغم في النفث فهي رسوب مدة النفث في الماء وإنتانها على النار والبلغم طاف في الماء غير منتن على النار على أن المدة قد تنفث في غير السل على ما بيناه في موضع متقدّم.
وقد ينفث المتقيح شيئاً كثيراً جداً وقد رأيت من نفث في ساعة واحدة قريباً من منوين بالصغير أو مناً وأكثر من نصف وجالينوس شهد بأنه ربما قذف المتقيح كل يوم قريباً من خمسين أوقية وهو قريب من تسع قوطولات.
وقد عرفت الفرق بين المدة وبين الرطوبات الأخرى فإن المدة تتميز بالنتن عند النفث وعند الإلقاء على النار وترسب ولا تطفو.
وأما علامات انتقال التقيح إلى السل فكمودة اللون وامتداد الجبين والعنق وتسخّن الأصابع كلها سخونة لا تفارق حتى فيمن عادة أطرافه أن تبرد في الحميات وحمى تزيد ليلاً بسبب الغذاء وتعقف من الأظفار لذوبان اللحم تحتها وتدسّم من العينين مع ضرب من البياض والصفرة وعلامات أخرى سنذكرها في باب السلّ.